فصل: تنبيه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.تنبيه في تكرار البدل:

وَقَدْ يُكَرَّرُ الْبَدَلُ كَقَوْلِهِ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لصاحبه} فَقَوْلُهُ: {إِذْ هُمَا} بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: {إِذْ أخرجه الذين كفروا} وقوله: {إذ يقول لصاحبه} بدل من {إذ هما في الغار}.

.تنبيه:

في إعراب كلمة (آزر) في سورة الأنعام.
أَعْرَبُوا {آزَرَ} مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إبراهيم لأبيه آزر} بَدَلًا.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْبَدَلُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْبَيَانِ وَالْأَبُ لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ فَكَيْفَ حَسُنَ الْبَدَلُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَبَ يُطْلَقُ عَلَى الْجَدِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ويعقوب} فَقَالَ (آزَرَ) لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْمَجَازِ.
هَذَا كُلُّهُ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ (آزَرَ) اسْمُ أَبِيهِ لَكِنْ فِي الْمُعْرَبِ لِلْجَوَالِيقِيِّ عَنِ الزَّجَّاجِ لَا خِلَافَ أَنَّ اسْمَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (تَارِحُ) وَالَّذِي فِي الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَهُ آزَرُ وَقِيلَ: آزَرُ ذَمٌّ فِي لُغَتِهِمْ وَكَأَنَّهُ يَا مُخْطِئُ وَهُوَ مِنَ الْعَجَمِيِّ الَّذِي وَافَقَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْعَرَبِيِّ نَحْوَ الْإِزَارُ وَالْإِزْرَةُ قَالَ تَعَالَى: {أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ} وَعَلَى هَذَا فَالْوَجْهُ الرَّفْعُ فِي قِرَاءَةِ {آزَرَ}.

.الْقِسْمُ الرَّابِعُ: عَطْفُ الْبَيَانِ:

وَهُوَ كَالنَّعْتِ فِي الْإِيضَاحِ وَإِزَالَةِ الِاشْتِرَاكِ الْكَائِنِ فِيهِ.
وَشَرَطَ صَاحِبِ الْكَشَّافِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ وُضُوحُهُ زَائِدًا عَلَى وُضُوحِ مَتْبُوعِهِ.
وَرُدَّ مَا قَالَهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ حُصُول زِيَادَةِ الْوُضُوحِ بِسَبَبِ انْضِمَامِ عَطْفِ الْبَيَانِ مَعَ مَتْبُوعِهِ لَا أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهُ أَوْضَحَ وَأَشْهَرَ مِنَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَحْصُلَ بِاجْتِمَاعِ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ زِيَادَةُ وُضُوحٍ لَا تَحْصُلُ حَالَ انْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي (خَالِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ زَيْدٌ) مَعَ أَنَّ اللَّقَبَ أَشْهَرُ فَيَكُونُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَفَاءٌ بِانْفِرَادِهِ وَيُرْفَعُ بِالِانْضِمَامِ.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: جُعِلَ (يا هذا الحمد) عَطْفُ بَيَانٍ مَعَ أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ أَعْرَفُ مِنَ الْمُضَافِ إِلَى ذِي اللَّامِ وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَطْفُ الْبَيَانِ مَعْرِفَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَقَوْلِكَ: لَبِسْتُ ثَوْبًا جُبَّةً وَقَدْ أعرب الفارسي: {من شجرة مباركة زيتونة} وكذا: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ فِي: {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثنين إنما هو إله واحد}.
فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّفَةِ؟
قُلْتُ: عَطْفُ الْبَيَانِ وُضِعَ لِيَدُلَّ عَلَى الْإِيضَاحِ بِاسْمٍ يَخْتَصُّ بِهِ وَإِنِ اسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الْإِيضَاحِ كَالْمَدْحِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {جَعَلَ اللَّهُ الكعبة البيت الحرام} فَإِنَّ {الْبَيْتَ الْحَرَامَ} عَطْفُ بَيَانٍ جِيءَ بِهِ لِلْمَدْحِ لَا لِلْإِيضَاحِ وَأَمَّا الصِّفَةُ فَوُضِعَتْ لِتَدُلَّ عَلَى مَعْنًى حَاصِلٍ فِي مَتْبُوعِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مُفِيدَةً لِلْإِيضَاحِ لِلْعِلْمِ بِمَتْبُوعِهَا مِنْ غَيْرِهَا.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} وقوله تعالى: {آيات بينات مقام إبراهيم}.
وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حيث سكنتم من وجدكم} أَنَّ {مِنْ وُجْدِكُمْ} عَطْفُ بَيَانٍ.
وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُعَادُ فِي الْبَدَلِ لَا فِي عَطْفِ الْبَيَانِ.
فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَدَلِ؟
قُلْتُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: مَا عَلِمْتُ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا ابْنُ كَيْسَانَ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَدَلَ يُقَرِّرُ الثَّانِي فِي مَوْضِعِ الْأَوَّلِ وَكَأَنَّكَ لَمْ تَذْكُرِ الْأَوَّلَ وَعَطْفُ الْبَيَانِ أَنْ تُقَدِّرَ أَنَّكَ إِنْ ذَكَرْتَ الِاسْمَ الْأَوَّلَ لَمْ يُعْرَفْ إِلَّا بِالثَّانِي وَإِنْ ذَكَرْتَ الثَّانِي لَمْ يُعْرَفْ إِلَّا بِالْأَوَّلِ فَجِئْتَ بِالثَّانِي مُبَيِّنًا لِلْأَوَّلِ قَائِمًا لَهُ مَقَامَ النَّعْتِ وَالتَّوْكِيدِ.
قَالَ: وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا فِي النِّدَاءِ تَقُولُ: يَا أَخَانَا زَيْدٌ أَقْبِلْ عَلَى الْبَدَلِ كَأَنَّكَ رَفَعْتَ الْأَوَّلَ وَقُلْتَ: يَا زَيْدُ أَقْبِلْ فَإِنْ أَرَدْتَ عَطْفَ الْبَيَانِ قُلْتَ: يَا أَخَانَا زَيْدٌ أَقْبِلْ.

.الْقِسْمُ الْخَامِسُ: ذِكْرُ الخاص بعدم العام:

فيؤتى به معطوفا عليه بالواو وللتنبيه عَلَى فَضْلِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْعَامِّ تَنْزِيلًا لِلتَّغَايُرِ فِي الْوَصْفِ مَنْزِلَةَ التَّغَايُرِ فِي الذَّاتِ وَعَلَى هَذَا بَنَى الْمُتَنَبِّي قَوْلَهُ:
فَإِنْ تَفُقِ الْأَنَامَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ ** فَإِنَّ الْمِسْكَ بَعْضُ دَمِ الْغَزَالِ

وَابْنُ الرُّومِيِّ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ:
كَمْ مِنْ أَبٍ قَدْ عَلَا بِابْنِ ذُرَا شَرَفٍ ** كَمَا عَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ عَدْنَانُ

وَحَكَى الشَّيْخُ أَثِيرُ الدِّينِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْعَطْفَ يُسَمَّى بِالتَّجْرِيدِ كَأَنَّهُ جُرِّدَ مِنَ الْجُمْلَةِ وَأُفْرِدَ بِالذِّكْرِ تَفْصِيلًا.
وَلَهُ شَرْطَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ مَالِكٍ: أَحَدُهُمَا كَوْنُ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَالثَّانِي كَوْنُ الْمَعْطُوفِ ذَا مَزِيَّةٍ وَحَكَى قَوْلَيْنِ فِي الْعَامِّ الْمَذْكُورِ: هَلْ يتناول الخاص المعطوف عليه أولا يَتَنَاوَلُهُ؟ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ هَذَا نَظِيرَ مَسْأَلَةِ (نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْعَامِّ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ عَطْفُ الْخَاصِّ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى إِرَادَةِ التَّخْصِيصِ فِي الْعَامِّ وَأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ وَهُوَ نَظِيرُ بَحْثِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي نَحْوِ قَوْلِكَ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا مِنْ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقَوْمِ وَقَدْ يَتَقَوَّى هَذَا بِقَوْلِهِ:
يَا حُبَّ لَيْلَى لَا تَغَيَّرْ وَازْدَدِ ** وَانْمُ كَمَا يَنْمُو الْخِضَابُ فِي الْيَدِ

وَإِنْ كَانَ هَذَا لَيْسَ مِنَ الْعَطْفِ الْعَامِّ.
وَقَدْ أَشَارَ الزَّمَخْشَرِيُّ إِلَى الْقَوْلَيْنِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ فِي قوله: {جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم}.
وَقَدْ يُقَالُ: آيَةُ الشُّعَرَاءِ إِنَّمَا جَازَ فِيهَا الِاحْتِمَالَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ (جَنَّاتٍ) وَقَعَ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ وَلَمْ يَعُمَّ الْجِنْسَ وَأَمَّا الْآيَةُ السَّابِقَةُ فَالْإِضَافَةُ تَعُمُّ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ ورمان} أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَوَاضِحٌ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ: إِنَّ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ لَيْسَا بِفَاكِهَةٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَوْلُهُ: (فَاكِهَةٌ) مُطْلَقٌ وَلَيْسَ بِعَامٍّ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا إِحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.
قُلْنَا: إِنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهَا كَالْوِتْرِ وَالضُّحَى وَالْعِيدِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بالكتاب وأقاموا الصلاة} مَعَ أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْكِتَابِ يَشْمَلُ كُلَّ عِبَادَةٍ وَمِنْهَا الصَّلَاةُ لَكِنْ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ إِظْهَارًا لِمَرْتَبَتِهَا لِكَوْنِهَا عِمَادَ الدِّينِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وجبريل وميكال} فَإِنَّ عَدَاوَةَ اللَّهِ رَاجِعَةٌ إِلَى عَدَاوَةِ حِزْبِهِ فَيَكُونُ جِبْرِيلَ كَالْمَذْكُورِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ انْدَرَجَ تَحْتَ عُمُومِ مَلَائِكَتِهِ وَتَحْتَ عُمُومِ رُسُلِهِ ثُمَّ عُمُومِ حِزْبِهِ ثُمَّ خُصُوصِهِ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْعَدَدِ فَيَكُونُ الذِّكْرُ ثَلَاثًا وَذِكْرُهُمَا بَعْدَ الْمَلَائِكَةِ-مَعَ كَوْنِهِمَا مِنَ الْجِنْسِ- دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِ التَّنْوِيهِ بِشَرَفِهِمَا عَلَى أن التفصيل إِنْ كَانَ بِسَبَبِ الْإِفْرَادِ فَقَدْ عَدَلَ لِلْمَلَائِكَةِ مِثْلَهُ بِسَبَبِ الْإِضَافَةِ وَقَدْ يُلْحَظُ شَرَفُهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا وَأَيْضًا فَالْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ بَعْدَ الْعَامِّ هَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَامِّ فِرَارًا من التكرار أو يدخل.
وفائدته التوكيد وحكاه الرُّويَانِيُّ فِي (الْبَحْرِ) مِنْ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ وَخَرَّجَ عليه ما إذا أوصى رجل لِزَيْدٍ بِدِينَارٍ وَبِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَزَيْدٌ فَقِيرٌ فَهَلْ يَجْمَعُ لَهُ بَيْنَ مَا أَوْصَى لَدَيْهِ وَبَيْنَ شَيْءٍ مِنَ الثُّلُثِ عَلَى مَا أَرَادَ الْوَصِيُّ وَجْهَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْطَى غَيْرَ الدِّينَارِ لِأَنَّهُ بِالتَّقْدِيرِ قَطْعُ اجْتِهَادِ الْوَصِيِّ.
قُلْتُ: وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ اللَّفْظِ هُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ جِنِّي وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَحْسُنُ عَدُّ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ.
وَأَيْضًا فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْكَلَامِ مَعْطُوفَانِ هَلْ يُجْعَلُ الْآخَرُ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى مَا يَلِيهِ وَقَعَ فِي كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكَشَّافِ تَجْوِيزُ الْأَمْرَيْنِ فَذَكَرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الحي} أَنَّ (مُخْرِجًا) مَعْطُوفٌ عَلَى {فَالِقُ} لَا عَلَى {يُخْرِجُ} فِرَارًا مِنْ عَطَفِ الِاسْمِ عَلَى الْفِعْلِ وَخَالَفَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَأَوَّلَهُ وَذَكَرَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الغمام والملائكة وقضي الأمر} عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى {اللَّهِ} لِأَنَّ قَضَاءَهُ قَدِيمٌ.
وَذَكَرَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ كَانَ قَوْلُهُ: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} عَطْفًا عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ أَنْشَأَهَا وَأَوْجَدَهَا {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا} يَعْنِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ هَذِهِ صِفَتُهَا وَإِنْ أريد به المخاطبون بمكة كان قوله: {خلق} عَطْفًا عَلَى {خَلَقَكُمْ} وَمُوجِبُ ذَلِكَ الْفِرَارُ مِنَ التَّكْرَارِ.
وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (جِبْرِيلَ) مَعْطُوفًا عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَلَوْ سَلَّمْنَا بِعَطْفِهِ عَلَى رُسُلِهِ فَكَذَلِكَ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّسُلِ مِنْ بَنِي آدَمَ لِعَطْفِهِمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَلَيْسُوا مِنْهُ وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَانِ.
أَحَدُهُمَا: لِمَ خَصَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ بِالذِّكْرِ؟ الثَّانِي: لِمَ قَدَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ؟
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَصَّهُمَا بِالْحَيَاةِ فَجِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ الَّذِي هُوَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَمِيكَائِيلُ بِالرِّزْقِ الَّذِي هُوَ حَيَاةُ الْأَبْدَانِ وَلِأَنَّهُمَا كَانَا سَبَبَ النُّزُولِ فِي تَصْرِيحِ الْيَهُودِ بِعَدَاوَتِهِمَا.
وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ حَيَاةَ الْقُلُوبِ أَعْظَمُ مِنْ حَيَاةِ الْأَبْدَانِ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ:
عَلَيْكَ بِالنَّفْسِ فَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا ** فَأَنْتَ بِالنَّفْسِ لَا بِالْجِسْمِ إِنْسَانُ

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ ونخل ورمان} وَغَلَطَ بَعْضُهُمْ مَنْ عَدَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فَاكِهَةً نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَلَا عُمُومَ لَهَا.
وَهُوَ غَلَطٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْعُمُومِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبُ الطَّبَرِيُّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ هَاهُنَا الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ بَلْ كُلُّ مَا كَانَ الْأَوَّلُ فِيهِ شَامِلًا لِلثَّانِي.
وَهَذَا الْجَوَابُ أَحْسَنُ مِنَ الْأَوَّلِ لِعُمُومِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ مَجْمُوعٍ يَشْتَمِلُ عَلَى مُتَعَدِّدٍ وَلَمَّا لَمَحَ أَبُو حَنِيفَةَ مَعْنَى الْعَطْفِ وَهُوَ الْمُغَايِرَةُ لَمْ يُحَنِّثِ الْحَالِفَ عَلَى أَكْلِ الْفَاكِهَةِ بِأَكْلِ الرُّمَّانِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر} إِذِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مِنْ جُمْلَةِ الدُّعَاءِ إِلَى الْخَيْرِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وآمنوا بما نزل على مُحَمَّدٍ} وَالْقَصْدُ تَفْضِيلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا نُزِّلَ عَلَيْهِ إِذْ لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهِ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ومشارب}.
وَقَوْلُهُ: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الذين أشركوا} فَفَائِدَةُ قَوْلِهِ: {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} مَعَ دُخُولِهِمْ فِي عُمُومِ النَّاسِ أَنَّ حِرْصَهُمْ عَلَى الْحَيَاةِ أَشَدُّ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ.
وَقَوْلُهُ: {الذين يؤمنون بالغيب} فهذا عام {وبالآخرة هم يوقنون} وَإِنْ كَانَ الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ يَشْمَلُهَا وَلَكِنْ خَصَّهَا لِإِنْكَارِ الْمُشْرِكِينَ لَهَا فِي قَوْلِهِمْ: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} فَكَانَ فِي تَخْصِيصِهِمْ بِذَلِكَ مَدْحٌ لَهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فَعَمَّ بِقَوْلِهِ: {خَلَقَ} جَمِيعَ مَخْلُوقَاتِهِ ثُمَّ خَصَّ فقال: {خلق الإنسان من علق} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دما مسفوحا أو لحم خنزير} فَإِنَّهُ عَطَفَ (اللَّحْمَ) عَلَى (الْمَيْتَةِ) مَعَ دُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْمَيْتَةِ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ ذَكَاةٌ شَرْعِيَّةٌ وَالْقَصْدُ بِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى شِدَّةِ التَّحْرِيمِ فِيهِ.